هتف الرحالة الإسلامي مرتضى خان وهو يتجول في أرجائه: "لا شك أنني في الجنة"، فهذا المتحف هو نسيج وحده من حيث البناء، ومن حيث النفائس الغنية التي يحتويها بين أرجائه، إنه متحف الإرميتاج الذي يعد واحدا من أضخم متاحف العالم.
تعود ولادة الإرميتاج إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، عهد ازدهار الإمبراطورية الروسية، زمن القيصرة الشهيرة كاترين الثانية، فخلال أقل من عشر سنوات أنجز المعماري الإيطالي المعروف راستريللي بناء هذا القصر الشتوي بأسلوب الباروك الروسي، لكن مبنى هذا القصر الذي استخدم مقرا للأسرة القيصرية، لم يكن كافيا لاستيعاب ذلك الكم الهائل والمتزايد باطراد، من التحف الفنية، فشيد الإرميتاج الصغير، ثم ظهر الإرميتاج القديم، فالإرميتاج الجديد.
في عام 1764 - عام تأسيس الإرميتاج - اشترى القصر الشتوي 225 لوحة، يعود معظمها إلى المدرسة الفلاماندرية والهولندية، ومنذ ذلك التاريخ بدأت النفائس والتحف الفنية تتدفق بغزارة على الإرميتاج من مختلف البلدان الأوربية والشرقية، عن طريق الدبلوماسيين الروس، أو عن طريق المبعوثين الخاصين الذين كان القياصرة يوفدونهم لهذه الغاية.
ففي عام 1767-1768 اشترى السفير الروسي في باريس عشرات اللوحات لمشاهير الرسامين الأوربيين، وبعد أربع سنوات جاء من باريس أيضا زهاء ثلاثمائة لوحة لا تقدر بثمن، وفي عام 1779 رفد مخزون الإرميتاج بمجموعة اللورد أولبول، وتضم 198 لوحة، بما فيها لوحات لفان ديك وأيوردانس ورمبرانت.
وهكذا.. فحتى عام 1785 وصل عدد لوحات الإرميتاج إلى 2685 لوحة، ساهم في انتقائها للقيصرة كاترين فيلسوفاها المحببان فولتير وديدرو والبارون غريم المعروف بذوقه الفني الرفيع.
ولم يقتصر الأمر على اللوحات، بل بدأ مخزون الإرميتاج يرفد بالصور المحفورة والتماثيل والمنحوتات القديمة والجواهر الثمينة والكتب والمخطوطات النادرة، يكفي أن نقول إن مكتبة المتحف التي تأسست منذ مائتي عام تضم الآن قرابة نصف مليون مجلد من الكتب القيمة في تاريخ الفن والثقافة.
الإرميتاج يفتح أبوابه
في بداية عهده لم يكن الإرميتاج متحفا بالمعنى المعروف للكلمة، حتى تسميته ERMITAGE تعني المكان الذي ينفرد فيه الإنسان بنفسه، وينعزل عن الآخرين، وكان التمتع بمشاهدة نفائسه حكرا على الإمبراطورة وأقرب أفراد حاشيتها، حتى أنها كتبت في إحدى رسائلها إلى البارون غريم تقول: "كل هذا لا يتمتع برؤيته أحد إلا الفئران وأنا..".
ومع مطلع القرن التاسع عشر بدأ الإرميتاج يكتسب بالتدريج ملامح المتحف، لكنه لم يتحولل إلى متحف عام إلا في أواسط القرن التاسع عشر ، وإن كان أغلب زواره من فئة المثقفين.